2009-12-08

قصــــــــة كفـــــاح

قصــــــة كفاح

         ياه… يا ما في الدنيا من قصص حياة فيها من العبر الكثير الكثير، تأخذنا بعيدا بعيدا في عوالم المعاناة والصبر على المكاره حتى يأتي الله بفرجه الكبير…

هو صاحبي رفيق دربي لأعوام خلت بين الثانوية والجامعة ارتأيت للحظة أن أدون للتاريخ مأساته في الدنيا عل وعسى يعتبر ذوي الألباب، فياما في الدنيا من عبر…

تخلى عنه والده وهو في بطن أمه مهاجرا بلا عودة، تاركا إياه لأمه مع أخ معوق وأختين للفقر والحرمان فلا معيل يعيل ولا مواس يواسي، لا زال يذكر بأسى أيام صباه حينما كانت أمه ترسله ليقتات من بيت خاله، فكانت زوجة خاله تخفي عنه الطعام أو تنتزع الملعقة من يده أو تطرده من على المائدة في  وسط أبنائها، لا زال يذكر أرقه الشديد كل ليلة وتلويه من شدة الجوع، لا زال يذكر هذا بحرقة…

كانت العناية الإلهية هي كل ما يملكون في الدنيا، لا زال يحدثني عن الأحداث الغريبة التي يتعرض إليها كل مرة تثبت له أن الله حاضر برحمته التي وسعت كل شيء

حدثني ذات مرة عن خروجه يوما من كوخه متجها للمدرسة والدموع في عينيه من شدة جوعه فقد نام والجوع يخدشه واستيقظ على آلام الجوع أيضا، وفجأة في طريقه ورقة مالية من فئة 200 دج تسوقها الرياح إليه سوقا، يتأملها مكذبا عيناه ما رأت هارعا إليها مسرعا لأول محل تجاري فيقتني الكثير من الخبز والمواد الغذائية عائدا بها إلى البيت فرحا منتظرا ترحابا من أهله، دخل الكوخ وعيناه تغمرهما السعادة وأسرع لأمه مقدما لها هذا الكنز الذي هم في أمس الحاجة إليه، تفاجأت الأم بعودة ابنها فأسرعت إليه سائلة:

-           لماذا لم تذهب للمدرسة يا بني ؟

فرد بفرح متجاهلا سؤالها: أنظر ماذا أحضرت يا أمي

لكنها عاجلته بصفعة قوية على وجهه سائلة من جديد: لماذا لم تذهب للمدرسة يا بني؟

اغرورقت عيناه بالدموع وشعر بنكران الجميل فقد ظن أن والدته ستأخذه في حضنها شاكرة أياه على ما أحضر من طعام,

تبسمت الأم عندما دمعت عيناه وقالت: بني لقد آثرت الطعام على المدرسة، والمدرسة أهم من الطعام يا بني، فبدراستك وبعلمك ستحضر الطعام وتحقق كل أمنياتك في الحياة، فلن أسمح لك أبدا بالتخلي عن دراستك مهما كانت الأسباب ومهما كانت الظروف,

وذات مرة وهو على أبواب البكالوريا فرغم ذكائه الحاد وقدراته على التحصيل إلا أن همه كان متعلقا بإعالة أمه وأخواته ففي حين كان كل زملائه يدرسون بجد ليل نهار كانت جل أوقاته يقضيها في تفريغ حمولات الشاحنات لمواد البناء مقابل أجر زهيد عل وعسى يشبع أفواه أهله الجائعة، وذات مرة ونتيجة إرهاقه لم يعد قادرا على هذا العمل، فبقي الأهل بلا طعام لأيام إلا من صدقات الجيران التي تأتي بين الفينة والأخرى

كان متجها للثانوية وكل تفكيره في الطريقة التي يحصل بها على المال لإحضار الطعام لأهله، فجأة يناديه أحد جيرانه فيذهب إليه، فيمنحه مبلغا من المال، فسأله لمن هذا المال؟

فأجاب الرجل: كنت مسافرا بالحافلة فركب بجانبي رجل فبدأنا نتبادل أطراف الحديث ثم سألته عن لقبه العائلي فوجدته مثل لقبك فأخبرته أن لدي جيران بلقبه فأسعده ذلك ورغب في التعرف عليكم أكثر، وعند محطته منحني هذا المال على أن أقدمه لكم عربون تحية وسلام، وها قد بلغت أمانتي,,,

تعجب صاحبي لهذا الرزق يأتي من حيث لا يحتسب ، وحينها زادت قناعته أن الله لن يضيعهم أبدا فلم يعد هذا يقلقه أبدا، فاسترجع همته ونشاطه ودرس بجد واجتهاد فنال البكالوريا بتفوق واختار أصعب الأسلاك وأكثرها كفاحا ألا وهو سلك الطب، ومن جديد يجد نفسه أمام   واقع لا يرحم فالجامعة تتطلب مصاريف إضافية وهندام محترم ولباسه رث، فقد تخلى عن دراسته عام كامل لأنه لم يجد حذاء يلبسه، فلا زال يذكر ذاك الألم الذي تعرض له عندما كان لصاحبه حذاء رياضي استعاره منه لينتعله عند ذهابه للجامعة وبعد أيام  لبسه ذات صباح متجها إلى محاضراته عندما هم بالخروج من غرفة الحي الجامعي ناداه صاحبه من فراشه لا تأخذ حدائي فأنا بحاجة إليه  اليوم، قشعريرة من أخمص القدمين حتى أخر شعرة في رأسه لكلام صاحبه، وهو يعلم أنه لا يملك حذاء، حينها عاد إلى الخلف نزع الحداء وأعاد محفظته لخزانته واستلقى في فراشه مسلما أمر دراسته لأقداره في الحياة، سنة كاملة قضاها في الحي الجامعي متخل عن دراسته رغم محاولة زملائه إقناعه بالعودة إلا أن كل محاولتهم باءت بالفشل، ولا أحد عرف السبب الحقيقي من وراء قراره المفاجئ,,,

وتعود ألقدرة الإلهية من جديد لتتحكم في مسار هذا الشاب الذي ما عرف في الدنيا للسعادة طعم، فقد حمل إليه ساع البريد رسالة من زوجة أبيه بالمهجر فيها مبلغ معتبر من المال، أعادت له ولأهله الأمل في الحياة لأشهر بعدما صارت ترسل لهم المال بانتظام، لكن فرحة المسكين لم تستمر فقد طالت يد الموت هذه الزوجة الكريمة فانقطع عنهم ما كان يعيلهم

لكنه استمر في كفاحه بالجمع بين الدراسة والعمل حتى أنهى دراسته وحصل على دبلومه كطبيب، وبدأ الصراع من جديد في عالم البطالة الغريب، طبيب يطرق الأبواب بحثا عن عمل يسترزق به فلا يجد له مكانا في مجتمعا متحجر، -غريب أمرك يا وطني غريب امرك- فقد كانت الوضعية من الخدمة الوطنية غير مسوية، وكل وظيفة تفتح بابها الا وكان الشرط تسوية الوضعية من الخدمة الوطنية أول ما يسأل عنه,,,

عان المسكين كثيرا في عالم البطالة، فكان يقتات من أعمال البناء، وكم كان العارفين بأنه طبيب يتعجبون من المآل الذي أوصله هذا الموصل متأسفين عن وضع البلاد التي صار فيها الأطباء ينافسون عمال البناء في أعمالهم،

وها هي رحمة الله الواسعة تفتح أبوابها بعد أن سدت كل الأبواب البشرية، حبيبة قلبه تتنازل له عن دبلومها متخلية عن وظيفتها كطبيبة عائدة للمكوث في بيتها، فاقترض المال وفتح عيادته التي صارت تدخل أرباحا وفيرة نتيجة جديته في عمله وطيبته مع كل زبائنه

فتحسن وضعه وها هو على أبواب الزواج بالفتاة التي ضحت بالكثير لأجله وسيتوجان عروس وعروسة بعد أيام ليستقرا بسعادة بعد أن اقتنى منزلا محترما له ولأهله، ورفرفت السعادة أخيرا حول هذا الصديق المكافح في الحياة

فلندعو الله له بدوام الهناء وسعادة لا تزول

وتستمر الحياة…

بقلم: عبد الرحيــــم حراتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق