2009-12-08

افعل ما شئت… فكما تدين تدان (قصص)

افعل ما شئت… فكما تدين تدان

لججت عالم القصة حديثا جدا، فوجدته عالما ساميا أوسع بكثير من العوالم الأخرى لقدرة الفكرة القصصية عن التعبير العميق وعن الرسالة السامية التي يمكن إيصالها من خلال القصص لكل روح قارئة لا زالت تنبض بالحياة.

فأحببت هذا العالم، وأردت أن تكون لي مكانة فيه من خلال مداد قلم وشموخ أفكار سجينة تحاول أن ترى النور من خلال لمسات ونثرات. فكم أرجوا أن أوفق لما اصبوا إليه.

لطالما قرأت وسمعت عن مقولة كانت تهزني هزا وتخلق في قشعريرة الخوف من زلة تحسب ونتيجة آلية تترقب كما تدين تدان.

أردتها اليوم قصة أو بالأحرى مجموعة من القصص تحمل أحداثها في طياتها عنواننا، وهي قصص واقعية لأناس أعرفهم حق المعرفة، فمن أين أبدأ؟

عرس كبير أقيم في قريتي المحافظة، دعي إليه العام والخاص من كل حدب وصوب، كيف لا وهو عرس الابن البكر لأحد أعيان القرية وأقربهم لقلب أبيه، مان مهرجانا، أختلطت فيه شتى أنواع الموسيقى من مزامير وطبول ورقص وزغاريد تملأ المكان…

وصلت العروس لبيت الزوجية بجمع غفير وفرح وسرور كبير، وفجأة تقع أم العريس أرضا مغميا عليها، فهٌرع إليها، وعند استيقاظها بدأت في العويل والصراخ، فسُألت عن السبب فقالت أنها أكتشفت أن العروس حامل وفي شهرها السادس، اصطدم الجمع الغفير بهذه المفاجأة الكارثية، وبدأ الناس بالإنسحاب في صمت من هول الفضيحة، كيف لا وهي الحادثة الفريدة بقرية نائية محافظة، لم تشهد حدث كهذا من قبل قط…

جن جنون والد العريس فدخل بيت العروس وأخذ تفي كسر وتمزيق كل ما وصلت إليه يداه، وكاد يحرق البيت بما فيه لولا توسلات الأهل والأقارب…

حاول قتل عروسه بسكينة حادة لولا تدخل ابنه لمنعه، طلب منه أن يطلقها فورا فرفض لأنه المسؤول عن كل هذا، فطرده وعروسه من بيته مقسما بالله ألا يسامحهما أبدا، فحمل العريس عروسه وانسحب في صمت لوجهة مجهولة حتى الآن….

في خضم كل هذه الأحداث، شوهد التاريخ يعيد نفسه، فقد علق البعض عن الحادث بقولهم:كما فعلت أمها تماما فتساءلنا، ماذا فعلت أمها؟ فلا أحد يعلم شيئا عن الأمر، فقيل، حاول أهلها تزويجها غصبا عنها برجل لم ترضاه زوجا، ففرت مع عشيقها لتضع أهلها أمام أمر الواقع، فعادت حامل بابنتها هاته متزوجة بعشيقها،ـ فها هي البنت تفضح كما فضحت أمها من ذي قبل، فافعل ما شئت فكما تدين تدان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

**********

      كان يبدو كهلا طيبا متواضعا، يمتهن تجارة الألبسة والتجوال بين البيوت والمنازل عارضا سلعه على أهلها، محبوب من طرف الجميع لإخلاصه في عمله وقناعته برزقه.

في ليلة عرس افتقدت شابة أمها الأرملة فعادت للبيت بحثا عنها، لجت الباب وأشعلت الأنوار فشاهدت مشهدا لا أظنها ستنساه أبدا، أمها تضاجع هذا الجار الخائن، فبدأت بالصراخ بكل ما أوتيت من قوة حتى بلغ مسامعها من كان في العرس، فهرع إليها بعض الأقارب فوجدوا الرجل يهم بالهروب عاريا والأرملة تستر جسدها ببعض الثياب، فأشبعوا الرجل ضربا مبرحا وفر منهم، وبلغ مسامع الناس ما حدث فكانت الفضيحة قاسية على أهل كل من الرجل والأرملة، فصيحة تحدث عنها الناس لشهور وشهور، وفقد الرجل كرامته ومكانته في مجتمعه ليصبح أضحوكة الكبار والصغار يتغامزون عليه عند حضوره، رغم أنه بادر لتصحيح خطأه بالزواج من هذه الأرملة لكن عاره بقي يلاحقه، فقبل أيام من موعد زفاف ابنته يعلن الخاطب فسخ خطوبته على الملأ، وأعلن أن الخطيبة صارحته أنها ليست عذراء، فقد فقدت عذريتها في مداعبة لأحد عشاقها قبله، فانفضح أمرها كفضيحة والدها…

وأعلنت عنوستها بيدها فمن سيقترب من فتاة غير عذراء؟

وصمت الأب عند بلوغه الخبر، فلم يحرك ساكنا، وما عساه يقول وقد كان قدوة لابنته، استسلم للتاريخ وحال لسانه يقول:افعل ما تشاء، فكما تدين تدان.

**********

كان شابا مستهترا، محتكرا منحة أمه السخية عن باقي أخواته المتزوجات اللاتي كنا ينعمن بفقر مدقع، ترجونه أن يعينهن على أمورهن ببعض المال فهو حقهن أيضا، لكنه تمنع ورفض، فلم يستطعن رفع أمره للمحاكم فهو أخوهن الوحيد، فصبرن في صمت…

كان يستمتع بسرد أحداث مواعيده الماجنة مع موامس الليل وفتيات البغاء بالمدينة على الملأ، نصحه البعض بالستر فكل معافى إلا المجاهرون، لكنه لم ينتصح…

تزوج امرأة لا تعي حقوق الزوجية، فخانته مع ابن اخيه، فكانت الفضيحة من المعيار الثقيل، فضيحة أدخلته المحاكم ولا زالت، وانسحبت أمه الراعية قاطعة عنه منحتها، فصار بلا مصدر رزق، فهو لم يعمل قط ولا يحب العمل مادام المال بيده في كل حين، فصار عالة على نفسه لا يجد حتى لقمة يومه، وفصيحة خيانة زوجته تلاحقه، أبعدت عنه الناس لعدم قدرته على تطليقها واستمرار معاشرته لها.

فجنى ثمار ما زرع من قطع الرحم والمجاهرة بالمعاصي فافعل ما تشاء فكما تدين تدان.

**********

خطب ابنة عمه دون اقتناع، وكان يواعدها ليلا فكانت تجمعهما ليال حمراء، وشاع الخبر بين الأهل لكن لا أحد تكلم بحكم أنه سيتزوجها عما قريب، لكنه فاجأ الكل يوما بفسخ خطوبته، فقد بدت له ساذجة لا تليق بمقامه وثقافته العالية، خبر زعزع أهله وأهلها، فهي ابنة عمه من لحمه ودمه وحدث كهذا سيدمر العائلة، حاول الجميع اقناعه بالعدول عن رأيه فهدد بالإنتحار إن عاد…

الحدث أدخل العائلتين في حرب أهلية مصغرة، شجارات لا تنتهي وصراع بالعصي والأسلحة البيضاء، نزاعات في كل مرة أدخلتهم دوامة المحاكم والقضايا لا زالت تتراكم ولا زال الصراع مستمرا…

شاب وسيم متخلق ذو مكانة مرموقة يرى أخت هذا الشاب، فيقع في غرامها ويعزم على خطبتها، فهي آية في الجمال وتبدو متخلقة للغاية…

يشاور أحد أصدقائه المقربين في الأمر، فإذا به يفاجأه :لا أنصحك بذلك

لماذا؟

إنها عشيقة فلان وهو ينام معها ثلث الليل في فراشها.

وقفة صمت وحيرة، بسمة شكر للنجاة من الوقوع، تأمل ببصيرة للجزاء بالجزاء وحكمتنا المعهودة كما تدين تدان وقول الشافعي من زنى زني به ولو بحائط بيته

لم يستر ابنة عمه فلم تٌستر أخته، فعلها الأخ، ففعلتها الأخت…

فافعل ما تشاء فكما تدين تدان

وتستمر الحياة بقصاص إلهي عادل بجزاء في الدنيا والآخرة.

بقلم: عبد الرحيم حراتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق