2009-11-21

أطفالنا وروح الوطنية

أطفالنا وروح الوطنية

         في زيارة عائلية بمناسبة العيد لأحد الأقارب الماكثين في أحد البيوت القصديرية في وسط العاصمة حتى لا نقول على مشارفها، لاحظنا القلق الواضح على وجه الخالة أم أيمن فسألناها عن سبب ذلك خصوصا واليوم يوم عيد يفترض أن يكون يوما سعيدا ولو لبعد حين.

نقلت إلينا المسكينة قلقها الزائد عن ولدها الذي لا يتجاوز الرابعة عشر من العمر، هذا الابن البار والنجيب في دراسته رغم أن أوقاته قسمت بين المدرسة والأسواق لبيع ما يمكن بيعه ليعين عائلته الفقيرة على سد أفواهها الجائعة مادام الوالد ما عاد قادرا على سد كل النفقات بعمله في مجال البناء.

المسكينة قالت أن ولدها صار مهوسا بالحرقة فهي على لسانه صباح مساء، ولا تدري من أين يأتي بتلكم الأخبار عن أناس ذهبوا فعادوا بكل نعيم من مال، يروي لها قصص الناجحين بكل شوق وعيناه يتلألأن فرحا وحبورا، يخبرها في كل مرة أن أجمل حلم له أن يقطع البحر لأوروبا فيعمل بكل اجتهاد حتى ينال المراد، ورغم محاولة المسكينة الثني من عزمه بتذكيره بمن فشل في العبور ومات غريقا في وسط البحر إلا أن هذا لم يزده إصرارا على المحاولة إن سنحت له الفرصة…

أم أيمن تخشى على ولدها الغرق، لا أوروبا وما فيها، فهي من جهة أخرى تندب حظها التعس وما هي فيه من فقر ومدقع وكوخها الذي تكاد ترى السماء من خلال سقفه المهترئ.

فاجأنا الامر فلم نتوقع أن تنتقل عدوى الحرقة لأطفالنا بعد أن غزت عقول شبابنا بعد أن أعياهم الحلم في استقرار في وطن لم يستطع أن يحقق لهم أحلامهم الثلاثة (عمل، زوجة وسكن) فهذه غاية كل شاب يحلم بالاستقرار بحياة لا يهم بعدها إن كانت سعيدة أم تعيسة ولا أظن لأي عاقل ألا يستطيع تحقيق السعادة إن نال هذه الأحلام الثلاثة التي تعده لعمل الدنيا والأخرة.

حقيقة الأمر مخز للغاية أن تنهار القيم أمام هذا الاجتياح الهائل للهروب بأحلامنا لعالم لا يمد لنا بصلة إلا الحلم بالثراء والغنى، بل ربما الحاجة إلى تحقيق الإشباعات الأولية التي تميز الإنسان عن الحيوان…

ترى ماذا أعد لنا ولاة أمورنا من برامج أو مشاريع تربوية تقوي روح الوطنية في أبنائنا، أو مشاريع إقتصادية بأبعاد استراتيجية تعيد لمواطنيا الكرامة المفقودة حتى يتحقق الإستقرار المنشود والتفرغ لبناء الوطن الذي قلما فكر أحد أن له أولوية من الأولويات فهو في آخر درجات السلم، مادام المواطن لا زال يجري وراء الخبز بعد، فكيف له أن يفكر في السعي لاجل الوطن.

فيا ولاة أمورنا بالله عليكم، أمنحونا ما يشبع بطوننا ويحمي ظهورنا لنحب وطننا كما تحبوه بعد

أن تخمت حساباتكم البنكية، وتعددت أبراج فيلاتكم الموسمية، فقد قلتم الكثير عن حب الوطن وما عدنا نتحمس لكلماتكم بعد أن رأينا مساكنكم ومنازل أبنائكم

فاهبطوا إلينا حتى نصعد إليكم… 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق