2011-05-17

أنا وجدي…

"أنا وجدي.."

   من نعومة أظفاري وأنا اسمع قصص جدي المجاهد عن بطولاته ابان الاستدمار الفرنسي، يتحدث فيها احيانا بحسرة ودموع تروي الثرى الذي يجلس عليه عما لقيه وإخوانه المجاهدين من عذاب وآلام، واحيانا بفرح وحبور عن طعم الحرية والإستقلال الذي يتنعم به أبناء الوطن الآن...

جدي لم يهرع كإخوانه بعد الاستقلال جريا وراء المال والمناصب، حتى أنه رفض أن يستفيد من منحة المجاهدين، فقد قال انه يريد أن يلاقي ربه فيجازيه خير جزاء، وعاش صابرا محتسبا رغم الفقر والفاقة التي كانت تحيط به، بأبنائه وأحفاده...

جدي كان يظن أن الإستقلال سيعيد إلينا مجدنا الذي اضاعه الاستدمار الفرنسي، سنعود لأخواننا كأبناء مجتمع وأمة واحدة، سنعيش متكافلين متعاونين، نعمل بخير ولخير هذا الوطن، وسنرقى لمكانة الأمم الراقية، لأننا من طينة واحدة كما يقول...

جدي لم يعمر طويلا حتى يرى بأم عينيه حرب الأخوة والعداء التي أندلعت في العشرية السوداء، ولم يرى الأسباب الحقيقية والخفية التي دفعت بالأخ لسفك دم أخيه بلا رحمة ولا شفقة...

رحمة الله عليك يا جدي، فقد نجوت مما كان سيجعل قلبك يتحسر ألما أو ندما...

في وطني الآن يا جدي حوت يأكل حوت، لا تخف انه لا يأكله في لقمة واحدة بل على لقيمات صغيرة حتى يجعله يتجرع مرارة الألم، والآهات تعلوا المكان فيستمتع بذلك استمتاعا...

في وطني الآن يا جدي مجتمع لا زال يبحث عن الطريق، أرهقته كثرة الإلتفاف على نفسه باحثا عن حل لهذه المتاهة التي دوخته لدرجة التقيأ...

في وطني الآن يا جدي أناس يسيرون بين الفيلات يتأملون تلكم القصور والجنات ويتساءلون كيف حصلوا على هذا وأناس يطلون من الشرفات على البسطاء الفاتحي الافواه انبهارا ويتساءلون لماذا ليس لهم هذا؟؟؟

...يتبع يا جدي