2011-01-04

معاكسة وعبرة

أحيانا امراض المجتمع تجعل منا نحن المترفعين عن التنازل والانحطاط عرضة للضغط، فتجعلنا نكتب حتى عن أمور كنا نراها من تفاهات  الامور التي لا تستحق أن تجر لأجلها جرة قلم

لكن كما يقال شر البلية ما يضحك، فقد أخبرني صديقي اليوم وكله اسف عما آل إليه الوضع في شوارعنا التي تحمل إلينا من تناقضات العصر  وأمراضه حد التجشأ والغثيان

حدثني صديقي اليوم عن فتى نجا من محاولة بائسة للإنتحار، بعد أن تصادف مرور جماعة بالشجرة التي أدلى بنفسه منها والحبل معلق برقبته، فأنقذوه من موت محقق وبئس المصير

حاولت مليا أن أعرف سبب محاولته البائسة هذه بعد أن سألني صاحبي، برأيك لماذا حاول الإنتحار؟

ظننتها البطالة الخانقة، ثم أزمة سكن، أو ربما أزمة عاطفية، وووو... لكن كل محاولاتي باءت بالفشل، فأتى الخبر الصريح والقصة الكاملة لهذا الشاب بزفرات مريرة من صاحبي الذي تألم لما آل إليه الوضع  قائلا:

اعتاد هذا الشاب معاكسة الفتيات الخارجات من الثانوية، الذاهبات أو العائدات لبيوتهن، وفي يومه المشؤوم هذا، وقد بدأ الظلام يلقي  بأسباله على المدينة التي تنعدم فيها الإنارة في شوارعها وأزقتها

كانت فتاة متحجبة أمامه تسير على عجلة من أمرها وهو خلفها يعاكسها بكلماته التي كانت لطيفة، ثم بدأ يكشر عن أنيابه بعد ان رأى المكان خال من المارة والفتاة وحدها وبإمكانه افتراسها لا محالة،

فبدأ ت كلماته النابية تتهاطل عليها طالبا منها التوقف لمحادثته وإلا سيفعل بها، والمسكينة ترتجف خوفا وتحاول ان تسرع اكثر فارة من هذا الوحش الآدمي، ولم تستطع حتى الالتفات إليه

وما ان اقترب منها وبدأ بملامسة جسدها من الخلف، حتى صاحت به قائلة: سأتصل بأخي وسترى ما سيفعل بك

فزادت كلماته الحيوانية أكثر فأكثر ،مهددا انه  سيبدأ بها ثم يكمل بأخيها، اتصلت الفتاة بأخيها والدموع تتهاطل من عيناها، ورن  الهاتف...

فتوقفت وتوقف الشاب خلفها...

الرنين قريب منها، بل أقرب مما تتصور، تلتفت لمصدر الرنين خلفها... أجل إنه هو، هو بشحمه ولحمه، أخوها، أخوها الذي اتصلت به ليحميها من شر هذا الحيوان

الحيوان البشري الذي يلاحقها أخوها الذي كان يفترض انها متمسكة بدراعه وهما في طريقهما للبيت

أخيها من لحمها ودمها... يا للهول ويا لرعب الموقف...

توقفا وبقيا باهتين يتأملان بعض... صرخت هي من هول الصدمة، وجرت بكل ما أوتيت من سرعة نحو البيت والدموع أكثر انهمارا من عينيها

وبقي هو صامتا في مكانه لا يلبث بشيء... يفكر فيما حدث ليستنتج اي نوع من البشر هو، او ربما أي حيوان هو أفضل بكثير...

وكتعبير عن احساسه كان الحبل الذي وجده مرميا سبيل لرقبته، تعبيرا عن ندمه وأسفه لما آل إليه...

هو الآن بالمستشفى يتعافى من صدمته، لكن اتراه يتعافى من حيوانيته ليعود لإنسانيته ويتخلى عن بهائميته؟، ففي الحادثة أكبر عبرة له ولغيره، ولله في خلقه شؤون.

عبد الرحيم حراتي

04.01.2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق