2010-12-28

اللعنة على الجهل والأمية

    في كل مرة ازداد يقينا ان التخلف والانحطاط الذي نعيشه في بلادنا سببه الرئيسي الجهل والأمية السائدين في أغوار المجتمع، أتخيلهما وحش عملاق يشحد سكينه ويجز أعناقنا من الوريد الى الوريد

ماكان لي أن أحس طعم هذا الخزي ما لم أعاين بنفسي حالات يندى لها الجبين تشعرني حقا أننا سندبح لا محالة ان استمر الوضع على ما هو عليه، أو إزداد سوء،

كم هو مؤلم أن نجد شبان في رعيان الشباب لا يعرفون عن أنفسهم سوى أسمائهم، حتى تواريخ ميلادهم لا تتضمنها ذاكراتهم المنغلقة، يعيشون كالبهائم بين اكل وشرب وسبات عميق، حياتهم بين بيوتهم ومعاملهم لا يفقهون من سنن الحياة شيء مذكورا...

كم هو مؤلم العيش بدرجة تفكير تساوي الصفر في زمن الألفية الثالثة، حيث أناس يفكرون في غزو الفضاء، واكتشاف أعماق المحيطات، والبحث عن سبل للسفر عبر الزمن للماضي وربما للمستقبل، ونحن ها هنا ما كثون، نعيش كالأنعام لا نفكر حتى كيف نرقى بحياتنا نحو الأفضل، فلم نتعلم حتى آداب الكلام، وأدب المعاملات، فما بالك بمعرفة حقائق ما نحن عليه في مجتمع مميع لا يدري اي طريق سيسلك...

أتخيلها متاهة إجتماعية خطيرة تقودنا نحو جامة يأكل فيها القوي الضعيف بقانون غاب ظالم جبلنا عليه، وما أشرته قوانينا يوما...

اناس تخلوا عن انسانيتهم بارادتهم او غصبا عنهم وماتوا وهم على قيد الحياة...

الأمية تقود الامة نحو الفناء وتطفأ شمعة الأمل في بناء مستقبل أجيال واعية... فهي فينا كالكلب ينبح حتى الإرهاق على رجل أصم لا يسمع شيء، فيذهب تنبيهه أدارء الرياح ، أو كالأحمقين الذين اختلفا عن حالهما أفي ليل أم نهار فسألوا أول من إلتقيا به، فأجاب آسف لا أسكن هذا المكان، فلا اعرف ان كنا بليل أم بنهار، هي نكت ننكت بها لنتسلى لكن جدورها في أعماق مجتمعنا أكبر من النكت بكثير فهي حقيقة مؤلمة تذكرنا دائما أننا لا زلنا نعان أغوار التخلف والإنحطاط...

الأميةعندما تسود بين الآباء فويل للأبناء من شر مرتقب، وحين تغوص في أعماق الأبناء فيا ويح أجيالك يا وطني من هذا الوحش القادم...

ظننت أن الأمية شبح خلفه الإستدمار، وستنار العقول بعد حين بفكر حي يوجه الأمة نحو مجدها المنتظر، لكن بتمعن في واقعنا اكتشفت ناشئة من أبنائنا في عمر الزهور، يعانون حد الثمالة من هذه الأزمة، إن لم أقل هذه الآفة مادامت ستنخر فكرهم نخرا أكثر مما تنخر المخدرات اجسادهم، ولو استنار فكرهم ما نخرت اجسادهم، فهي أم الآفات بلا ريب...

العشرية السوداء عرضت الآلاف من أبنائنا للتسرب المدرسي، فالخوف والرعب، الحرق والتدمير، وسياسة التقتيل والترهيب شلت الفكر شللا  رهيبا، فنتج عن هذا جيل أمي لا يقرأ ولا يكتب، فماذا ننتظر من هذا الجيل يا ترى مادامت اولى منشآته الفكرية قد اعدمت، سوى الخراب والدمار...

أما الجهل فهو كالشبح المرعب الجاثم على صدورنا، وقد يكون نتيجة لوحش الأمية، لكن ليس بالضرورة، رغم انه يستمد طاقاته منه بلا شك، فالجهل الذي نقصده هنا جهل بالحقوق وجهل بالواجبات ، جهل بالقوانين المنظمة يجعلنا نتخبط تخبط عشواء...

فجهل بحقوق تضمنتها دساتير البلاد ومبادئ تنظيم شؤون العباد جعلتنا نعيش كدمى القاراقوز  في ايد ولاة امورنا، يوجهوننا يمين شمال بلا جزع ولا هلع لا لشيء سوى  لانهم مطمئنون لسباتنا، فهم يمنحوننا حقوقنا بمن وأذى كأنها صدقات بأيديهم يمنحونها كيفما يشاؤون ولمن يشاؤون ومتى يشاؤون...

فلو استوعب المواطن ان ما يطالب به حق من حقوقه التي لا جدال فيها بدلائل الدساتير الموثوقة، ولو علم المسؤول انه يقوم بواجب تكليف لا تشريف فيه، ولا مزية له فيه، لكان الوضع أفضل بكثير...

ولو عرف الجاهل بواجباته نحو مجتمعه، أمته، وطنه ودينه، وعاهد نفسه على احترام ما يجب عليه ان يحترمه ويطبقه في حياته اليومية،  وفي  كل شؤونه، لكانت حياتنا أفضل بكثير...

لكن هو الجهل ينخر أجسادنا نخرا، وللتجاهل في كل هذا نصيب، فلو كانت لعدالتنا باع طويل في فرض نفسها في أذهان الناس بصرامتها وعدالتها المستمدة من قوة العدل بين الناس لكان حالنا أفضل بكثير...

إلى أن تستنار العقول من جديد بنور العلم الذي ليس بعده نور، تستمر حياتنا بأناتها وآهاتها، بآلامها وأفراحها، وللحديث بقية بلا ريب...

بقلم عبد الرحيم حراتي

28.12.2010

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق