2009-11-19

إلى معالي وزير النقل

إلى معالي وزير النقل

سيدي الوزير

                         لن أبجلك حق التبجيل لأني غاضب اليوم، فأنا أسير يوميا لكيلومترات طويلة في الليل الدامس وأعين خفافيش الليل ترقبني وأنا أدعوا الله ألا يقفز خفاش فيرعبني ويرعب ما حواه جيبي الفارغ، سوى من هاتفي المحمول المتواضع.

ففي الوقت الذي تنعم فيه أنت بسيارة فاخرة وحرس يوصلوك حتى بيت النعيم الذي أنت فيه مع أولوية المرور طبعا، نعاني نحن، نحن حثالة المجتمع الفقراء حتى لحافلات النقل التي لم تعد كافية لامتصاص زحامنا اليومي وفي كل وقت من أوقات اليوم والاسبوع والشهور والسنة، نحن لا نتوقف عن الحركة يا سيدي الوزير طلبا للخبزة التي علاها الغبار في بلد الخيرات…

سيدي الوزير تساءلت وانا أكتب لك هذه الرسالة هل حقا ستقرأها؟؟؟ فأنا لن أرسلها لك عبر البريد ولا إلى عنوانك الإلكثروني فأكيد لا وقت لديك لمثل رسائل الأوباش، لكني سأضعها في مدونتي الخاص كشاهد ماشافش حاجة على حد قول عادل إمام…

سيدي الوزير أنا لا أقطن مدينة من مدن الضواحي حتى تجد الأعذار اللازمة لبلوغ التنمية، فأنا بالعاصمة، العاصمة التي يفترض بها أن تكون الأولى دائما فمنها تنطلق وإليها تعود جل المشاريع فهي مقر الدولة، ورمز السلطة، وهي واجهة الدولة الجزائرية، فهل يا ترى مثلتنا العاصمة خير تمثيل أمام المحافل الدولية؟؟؟

سأبلغك بما حدث اليوم يا معالي الوزير حتى لا أختنق وأنا أحاول النوم فـأموت كمدا، فاليوم يا سيدي وكالعادة تقل المواصلات في كل مساء فيزيد الزحام ونحن الغلابة ننتظر الحافلة التي ستوصلنا يا سيدي، انها لا تأتي كل خمس دقائق كما هو معمول به في دول تعي معنى النقل وتحترم مواطنيها، وهي لا تأتي كل ربع ساعة أيضا، إنها تتأخر لساعة ونصف من الزمن يا سيدي الوزير، والمسافرين في انتظار طويل وقلق واضح، لكنهم طبعا لا يحتجون فلا أذن تسمع ولا يد يحسن حتى تنفجر الأمور دائما فهذا مبدأ قديم محفور في تاريخ مقاعد ولاة أمورنا…

في وسط الزحام امرأة شابة بابنها تحاول التشبث بالباب للصعود بقوة والطفل يصرخ بكل ما استطاع إليه سبيلا فلما عجزت عن الصعود صرخت هي ايضا بأعلى صوتها بابا مجاهد حرام عليكم

لم ينتبه إليها أحد ولم يفهم أحد أيضا ما علاقة أبيها المجاهد بصعود الحافلة؟؟؟

ومشهد آخر أبلغه معاليكم سيدي على طبق من الواقع المرير، في غمرة الزحام أيضا عجوز تعدت الستين من العمر تحاول هي الاخرى الصعود بكل ما أوتيت من صبر على الزحام لكن رجلاها المرتعشتان تخونانها فتسقط على الأرض والأرجل تتعثر بها بل ترفسها رفسا، وهي الأخرى تصرخ وتصرخ ولولا رحمة الله وانتباه بعضهم لها لكانت في عداد الأموات وهي تدعوا على دولة لم تحترم كبارها…

لم أتحمل هذا الصراع يا سيدي فتنازلت عن جهدي الكبير في صعود الحافلة وابتعدت قليلا وأنا أتصبب عرقا فقد أجهدني التعب، شيخ كبير بحانبي وأمام هذا المشهد لم يجد إلا أن يترحم على رئيسنا الراحل هواري بومدين، فسألته  ما علاقة هذا بالرئيس الراحل؟

يا بني نهار كان الهواري كانت للدولة مهابة وكان النظام نظام، أما الآن فصرنا رعيان على حد قوله طبعا.

الحافلة يا سيدي حملت مالا تطيق من أكياس بشرية مكدسة، فأضمن لك يا سيدي لو نزلت يوما متخفيا وركبت معنا لبكيت لاجلنا قبل أن تبكي لنفسك على ما أنت فيه من عذاب، ولا أنصحك أن تعرف بنفسك حينها للركاب من شدة الزحام عل وعسى يشفق عليك أحدهم بالتنازل لك عن كرسيه الثمنين الذي اقتتل لاجله لدرجة أن تقف بجانبه عجوز في السبعين فلا يتحمل أن ينهض ويتركه لها، فقد لا تصل إلى وجهتك حينها يا سيدي…

سيدي الوزير، التاريخ يجري ونحن لا ندري والزمن يسير والعمر قصير، فماذا خلفت لذكرك بين رفات شعبك، هلا فكرت في الأمر للحظة، للحظة فقط؟؟؟

أيصعب في بلد الخيرات بما أوتيت أن تضمن نقل مواطنيها، وأين؟؟؟ بالعاصمة، عاصمة الوطن…

أيصعب أن تزيد الدولة الجزائرية عدد حافلات نقل مسافريها حتى تغطي الطلب، فنشعر بالأمن في تنقلاتنا ولا نفكر في شراء سيارة ولو بالقروض والإستدان؟؟

أيصعب يا معالي الوزير بعاصمة الوطن أن نضمن وصول الغلابة من الطبقة الكادحة إلى منازلهم بعد يوم مضني من العمل الشاق؟؟؟

أيصعب يا معالي الوزير بعاصمة الوطن أن نأخر ساعة السبات قليلا حتى نضمن أن كل الدجاجات قد دخلت الخم؟؟؟

طبعا ستقول يا سيدي إننا في حالة طوارئ، والأمر عام والأولوية لسلامة أرواح مواطنينا، ووووو… لكن العجوز كادت تموت تحت أقدام مواطنينا أيضا يا سيدي فمالفرق بين الموتين إن ضمنت ألا تموت برصاصة أو تموت تحت أقدام المهاجمين على حافلة لا لشيء سوى لضمان مقعد فيها، صار حلم يجب الكفاح لأجله؟؟؟

أحقا سنفكر في النمو والتنمية والازدهار والتقدم، وجل عمال إداراتنا يفرون من مكاتبهم قبل موعد الخروج لا لشيء سوى لبلوغ البيت قبل ذروة الزحام، وقبلها لضمان اللحاق بالحافلة؟؟

أحقا سنفكر في الإبداع ونحن نجري دائما لضمان الخبزة عفوا فالخبو ليس من صلاحياتك، أقصد الجري وراء الحافلة حتى لا أقول طاكسي فماهية الشهر لا مكانة فيها لركوب الطاكسي؟؟

أحقا سنخلص العمل مادمنا نعاني من الإسهال دائما لضمان الحد الأدنى من المواطنة؟؟؟

هل أثقلت عليك يا سيدي الوزير؟؟؟ أعتذر إن شوشت على مسامعك بهاته الشكوى التي لن تصلك، فالجمرة يحس بها من هي تحت قدمه، لكن كالعادة يا سيدي الفاضل ننتظر فالبالون ينتفخ ثم ينفجر وإن انفجر ماذا نفعل يا سيدي؟؟؟

ننفخ بالون آخر ربما؟؟؟

وتستمر الحياة ….

مجرد رأي مواطن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق