2011-06-27

السياحة قضية مجتمع

    كثر الحديث عن السياحة في وطني كعنصر فعال غاب أو غيُب عن الساحة، رغم أهميته الكبيرة في خلق الثروة وخلق مناصب شغل، وعودة بالوطن للساحة العالمية كبلد له ميزاته الخاصة التي تستحق أن تظهر للعيان من خلال إمكانياته وطاقاته الكامنة التي بإمكانها أن توصله للمقدمة...

ما يجب أن نعرفه وما يجب أن نروج له أن السياحة قضية مجتمع، قضية ثقافة، ولنقل قضية مبادئ وسلوك، فما نلاحظه من أعلى الهرم إلى أدناه في مجتمعنا أنه يساهم بطريقة أو بأخرى في وأد هذه الميزة العالمية التي صارت أهم مورد اقتصادي لبعض الدول كتونس مثلا.

المجتمع الجزائري لا ندري ان كانت خصائص ذهنياته هي التي تمنعه من استغلال هذا المورد الهام، ام هي الظروف فعلت فعلتها لمنع انتشار الفكر السياحي في اوصاله...؟

طبيعة عذراء في جزائرنا، ومناظر خلابة تستحق أن تخلد وأن يشاهدها العالم لروعتها وتأثيرها على من يعايشها، مواقع أثرية تستحق التخليد وكشف الغبار عن تاريخ أمجادها،  وما فوق الثرى أقل مما تحتها، فهناك الكثير من المدن الأثرية تنتظر التنقيب والاكتشاف لاظهارها للعالم، ولا نحتاج لتلفيق الأساطير عمن شيدوا هذه المدن، فالتاريخ يشهد عن أبطال وأمجاد من عاش على تراب الجزائر...

مساحات شاسعة وتنوع مناخي كبير، وثقافات شعبية عديدة (قبائلية، بربرية، شاوية، عربية...) تساهم في خلق الإختلاف والتميز مما يدفع لاكتشاف الآخر حق الإكتشاف...

وبغض النظر عن الأسباب التي تراكمت طوال هذه السنين وكانت عائقا أمام إنتشار الثقافة السياحية في المجتمع، أو منعت وصول من رغبوا في انتشارها، فإن الحلول كامنة في الإرادة الحقيقية إن كانت متوفرة للنهوض بهذا القطاع وتطويره، وبالتالي النهوض بالمجتمع ككل، لهذا فالقضية قضية مجتمع بأتم معنى للكلمة.

من وجهة نظري الشخصية أرى أن الحلول تكمن في النقاط التالية:

الأمن: مما لا شك فيه أن الأمن هو العامل الأول والأهم في انتشار السياحة في اي وطن، فلا يمكن تصور بلد سياحي وسواحه يتعرضون لمختلف التهديدات التي قد تؤدي بأمن ارواحهم واموالهم، فلا يختلف اثنان ان هذه الميزة لا زالت لم تستقر الى  الحد المطلوب عندنا، فلا زالت عصابات الليل تعمل عملها في نهب اموال الناس بالباطل، وتز هق ارواحهم وتفر في جناح الظلام دون رادع يردع، لا حسيب ولا رقيب،  فلا اظن ان الحديث عن السياحة يجدي ونحن لازلنا نخشى الخروج من بيوتنا والسير في شوارعنا ليلا أو نهارا دون خوف ولا وجل، فما بالك السفر تحت جناح الظلام، وعليه فعلى السلطات المخولة باستتباب الأمن أن تعمل جاهدة وبكل ما أوتيت من صلاحيات وقوة أن تقضي على عصابات الليل وكل من يشهر سلاحا في وجه إنسان دون وجه حق، فباستعادة الأمن في أرجاء الوطن يمكننا التحدث عن السياحة كعامل فعال في التنمية.

  • المواصلات:عصب الإقتصاد المواصلات، فكلما توفرت وسائل النقل والتنقل كلما توافرت مظاهر الحركة والتواصل، وكلما تعددت وسائل المواصلات كلما زادت مظاهر التنمية، فالسياحة تتطلب ضمان وسائل النقل المختلفة في كل الأوقات، ومناطق سياحية لا تنام، تعمل على مدار الساعة، فكيف لعاصمة تتوقف فيها وسائل النقل قبل التاسعة ليلا ان يتحدث مسؤوليها عن تطوير السياحة، ومواطنيها لا يجدون وسيلة تقلهم ديارهم بعد هذا الوقت، فما بالك بالسائح الأجنبي...

    ففي الجزائر لا شبكة الطرقات البرية كافية لانتقال المواطنين، ولا سكك حديدية فعالة تربط انحاء الوطن، والطيران ليس في متناول الجميع لأسعاره المرتفعة وخدماته المتدنية ومواعيده المظبوطة!، والنقل البحري الداخلي ملف في أدراج نسجت عليها العناكب بيوتا، فإن كنا نفكر في بناء بلد سياحي فقد آن الأوان لتحرير وسائل النقل بتقديم وتنويع وسائل النقل وضمان ديمومتها وتخفيض أسعارها.
  • الفندقة: فنادق الجزائر المرموقة تعد على أطراف الأصابع، والفنادق من الدرجات المتوسطة غير معروفة وانتشارها محدود في المدن الكبرى ومقرات الولايات، وهذا دليل على أنها قطاع غير منتج وليس له فعالية لقلة مرتاديها، فالفندق أول ما يسأل عنه السائح، وأول محطات الإكتشاف والإستقرار، فإن كانت خدماته في مستوى يشجع السائح على العودة والبقاء أكثر، وإلا فلا...، وعليه يجب تغطية هذا النقص في الفنادق وتحسين خدماتها بضمان الحد الأعلى من الخدمات، وتكوين مسيرين فندقيين يفقهون في الأبعاد الوطنية للسياحة و تأثير الخدمات الفندقية على انتشار السياحة في الوطن، ثم أن  الأسعار ليست دائما في متناول الجميع، لموسمية هذا العمل، وعليه يجب مراقبة الأسعار وضمان تنافسيتها.

  • الخدمات السياحية: ما هو معروف عن الجزائري ان له عزة نفس خاصة ترفع بها عن الإضمحلال والسقوط في متاهة الدناءة والتنازل عن الكرامة لأجل المال، عزة نفس انتجت جزائري ليس خدوما رغم ان المثل يقول" سيد القوم خادمهم" فهو يتعامل من منطلق الند للند في كل الأمور، وبعض أدبيات المعاملة الطيبة واللطيفة تجعله يشعر أنه اهان نفسه وعفس على كرامتها ، رغم ما قد يجلبه من مداخيل ان تنازل عن بعض كبريائه...

    وهذا طبعا مفهوم خاطئ يجب أن يصحح حتى تعود الأمور إلى نصابها، فالتودد الى الزبون والحرص على خدمته بسرعة والعمل على إرضائه وتحقيق طلباته لا اهانة فيه، بل هذه المعاملة هي عماد النجاح في هذا الشأن، فعلى اولياء الأمر أن يعملوا على ترسيخ المبادئ اللازمة لضمان الخدمات السياحية اللازمة في المجتمع.
  • التربية السياحية: على السلطات ان تنشر الثقافة السياحية في الأوساط الشبانية بدء بالمدارس الابتدائية إلى الجامعة من خلال تنظيم رحلات سياحية وتعويد هذه الفئة على السفر والترحال والإكتشاف حتى تألف الفكرة فتصير عادة إجتماعية طيبة وتقليد يترك أثره في الأجيال القادمة.

  • خلق المناخ الملائم المشجع على العمل السياحي، كفتح المواسم السياحية وتغيير أوقات العمل بين موسمي الصيف والشتاء، فلماذا بدء العمل دائما على الثامنة صباحا في  كل القطاعات مادامت الشمس تشرق على الخامسة صباحا صيفا، فماذا سيحدث لو بدأ الدوام من السابعة صباحا حتى الثانية بعد الزوال،وترك الفترة المسائية مفتوحة خصيصا لهذا الشأن...

  • خلق جوائز تشجيعية لأحسن الخدمات الفندقية والسياحية، وتحسيس هذه الفئة بمزيد اهتمام حتى تكون في المستوى المطلوب.

  • إنشاء مدارس خاصة للخدمات السياحية، وتوعية المجتمع عبر وسائل الإعلام المختلفة بالدور المنوط به، وبإيجابيات السياحة ومنافعها الصحية والمادية وتأثير مداخيلها على التنمية وتحسين صورة المجتمع الجزائري في العالم ككل.

       في  الختام أقول علينا أن نصحح المفاهيم  ونحدد أي سياحة نريد فما يخيف أكثر في هذا الأمر ويجعل البعض ينبذ الفكر السياحي هو ارتباط هذا الأخير بالسياحة الجنسية، فالسائح يطلب غالبا التسلية واللهو والراحة من خلال ترحاله وتجواله، والعنصر اكثر طلبا في هذا الشأن هو الجنس والخمور، الملاهي والعلب الليلية،  فما يخيفنا هو تمييع المجتمع وانتشار الرذيلة فيه نتيجة التعري والإباحية، وانتشار هذه الكباريهات والعلب الليلية التي تنتج عن التوسع في هذا المجال، فالمجتمع محافظ وله قيم ومبادئ ديننا الإسلامي الحننيف، والمجتمع لا يرضى بانتشار الرديلة في اوصاله، وعليه لا بد من الحرص على هذه القيم ومراعاة خصائصه، فالتعامل بصرامة في هذا الشأن بتوسيع الرقابة والردع لحفظ النظام العام في هذه الأطر الخاصة قد يشعر المجتمع بالطمأنينة أكثر ويتقبل الإنتشار والتوسع في خدمة الأهداف السياحية المنتظرة.

بقلم عبد الرحيم حراتي

27/06/2011

هناك تعليقان (2):

  1. اشتاق المرور بين حروفك دوما رحيم
    بوركت يا طيب

    ردحذف
    الردود
    1. أنتظر دعمك دائما سيدتي، وكتابك على طاولتي سيكون له اثره الداعم
      شكرا لمرورك

      حذف